Wednesday, October 28, 2009

الروائي الكبير إبراهيم عبد المجيد عن عفاريت الراديو

عفاريت الراديو


‮‬هذه مجموعة قصصية جميلة مفاجئة لي ومفاجآتها لم تأت من قيمتها فقط ولكن لأني عرفت كاتبها الشاب محمد خير شاعرًا وصحفيا وحين بدأت أقرأ في المجموعة لم استطع التوقف وأنا أفكر كيف حقًا يوجد هؤلاء الكتاب الحقيقيون الذين لا يزالون يقدرون هذا الفن ولا يجرون وراء كتابات التيك آواي الشائعة الآن في الصحافة ويسميها أصحابها بالقصص القصيرة وأحيانا الروايات‮. 

‬محمد خير امتداد حقيقي لجماليات القصة القصيرة التي ترسخت في مصر عبر تاريخ طويل يكتب كأنه رسام ماهر لا تلمس أثرا لفرشاته‮. ‬لغته هامسة موجزة تحمل الكثير من الشجن أو البهجة وقصصه ليست طويلة ومن ثم فقدرته علي التركيز عالية تذكرك لغته الهامسة في البداية أنه امتداد لإبراهيم اصلان وبعد قليل تشعر أنه امتداد لمحمد البساطي أكثر وبعد قليل وانت تقف عند النهايات المؤثرة تشعر أنه أقرب إلي تشيكوف بلغته الهامسة،‮ ‬ثم تكتشف أنه نسيج وحده يضيف إلي فن القصة العربية صوتًا جميلاً‮.
..
إبراهيم عبد المجيد
نشر في  روزاليوسف اليومي بتاريخ 18 أكتوبر 2009

Tuesday, October 27, 2009

أشرف عبد الشافي عن ديوان بارانويا

بارانويا .. محمد خير

ولد وحيد فى غرفة واسعة جدا

نشر في جريدة الموجز في 14 أكتوبر  2008

الرابط لمدونة أشرف عبد الشافي



 

أعرف محمد خير منذ زمن .. لكننى لم أكن أعرفه كما ينبغى .. هكذا قلت لنفسى بعد قراءة ديوانه الممتع (بارانويا) ،وعنوان الديوان ليس مجرد اسم لقصيدة يحبها الشاعر دون غيرها كما هى العادة فى اختيار اسماء الأعمال الأدبية عموماً،لكن البارانويا هنا هى التجربة كلها ،هى الشاعر فى غرفة واسعة جدا يجلس وحيداً ليتأمل نفسه ويحاسبها ويعنفها ويوبخها أحياناً كما فى قصيدة “كده أحسن بكتير”:

خليك مكانك/ما تحاولش الهرب/ وما تفتكرش الليل هيخبيك منى/ مادام لمحتك خلاص خلصت اللعبة/ اقعد هنا/وما تنساش انك خسران ..واما نخبط فى بعض /هتتوجع انت اكتر /لاننا بدلنا الأدوار /وبقيت انت الأجمل/والاجبن والأضعف/والحساس/ وانا دورى امنع عنك /اى حلم انتهت صلاحيته /لان الضحك من غير روح خيانة.

وفى القصائد كلها يتحرك محمد خير فى غرفته ،يتجول بين كل مشاعره ويحولها إلى كائنات حية يستحضرها ويجرى معها حوارات بديعة ، ففى قصيدة (خوفك ) يستحضر الخوف الذى يسكنه ويسكننا جميعاً :

خوفك .. ما اقدرش غير عليك / اتغذى على كل احاسيسك / وقعد لوحده متربع فى قلبك / وانت/ باين عليك مرتاح كده/لدرجة انك نسيت مكان الباب/واقف ورا الشباك كأنك شبح/ كأنك خيال /ما بقاش يخوف حد.

على أن أجمل ما فى الديوان هى تلك اللحظات التى اتخيله فيها يطل من نافذته ليتأمل العالم وفجأة تسقط عيناه على مشهد نادر لعصفور يعيش أخر لحظاته قبل أن يسقط :بعد لفة طويلة كالعاد /العصفورين نزلوا ع السلك الغلط/الكهربا صرخت/ونورت الطريق لمدة ثانيتين /الريش نزل فتافيت /نول/جمرات/ بتلالى فى العتمة.

ولأن الديوان كما قلت أغنية واحدة طويلة متنوعة الألحان فإن أخر قصيدة كانت أحلى ختام بداية من عنوانها (للعبرة)،أما موضوعها فهو وقائع مصرع سيجارة .. نعم سيجارة :السيجارة الوحيدة /اتفرمت فى العلبة من غير قصد/من غير ذنب/ ما حدش شافها/ولا حد عرف أصلاً /اناها كانت موجودة هناك /اتهمشت بسهولة وبدون مشاعر.. سيجارة لا عاشت ولا ماتت زى طفل حرام .. ما لحقتش تتنفس ولا تترعب /من جهنم المحبوسة فى الولاعة /ولا جربت شهوة الشفايف /فى برد الصبح /وما حدش هيتحاسب على قتلها .. هتنتهى تماما /زى مأساة مخجلة /زى أى حد /إتوجد فى اللحظة الغلط.
شوفتوا الجمال بتاع محمد خير ؟

 

الكاتب الكبير محمود الورداني عن عفاريت الراديو

عفاريت محمد خير

محمود الورداني

أعرف أن محمد خير شاعر، وقرأت واستمعت لبعض قصائده العامية، لكن ما فاجأني هو مجموعة الأقاصيص التي أصدرها أخيراً عن دار ملامح تحت عنوان «عفاريت الراديو». 
وإذا كان الكثيرون من الأجيال السابقة والحالية قد انفضوا لأسباب - مازالت غامضة بالنسبة لي حتي الآن - عن كتابة القصة القصيرة، فإن محمد خير يقدم تجربة مدهشة وطازجة، ربما كان أهم ملامحها ذلك التكثيف الشديد والابتعاد عن كل ما هو سابق التجهيز من مشاعر ورؤي وأحاسيس.
لا أظن أن محمد خير قبل أن يبدأ الكتابة، يعرف بالتحديد ما هو مقدم عليه، بل يكتشف ما يريد أن يلامسه من خلال وعبر الكتابة ذاتها، أي أنه يستكمل معرفته للعالم، من خلال الكتابة ذاتها.
فقصة «لم نفكر» مثلاً لا يكاد عدد كلماتها يتجاوز مائة كلمة، ومع ذلك فهي تحكي حكاية اثنين منذ طفولتهما الباكرة وحتي اقتربا من الكهولة، وفي «شارع خاتم المرسلين» ثمة عنف مكتوم لا يفصح الكاتب عن كنهه بالتحديد لكنهش عنف يتأهب للانفلات، وفي «كان في عالم آخر» يقبض الحرس الجامعي علي الراوي ويفرج عنه، وبين القبض والإفراج يتعرض الراوي وشاب آخر لا يعرفه لذلك العنف المكتوم الغامض ، وفي «أي وقت» هناك حانة يجري إضرام النار فيها، ويلغي صاحبها «رخصة الكحوليات» ويتوسع في العصائر، لن يكون متزمتاً لذا سيحتفظ بالستلايت، وستأتي البنات مع الأولاد ويشربون الأرجيلة مع أكواب الزبادي الباردة، وسيتعود الجميع علي الصوت المرتفع جداً لأغاني الفيديو كليب، ولن يتفق الرواد القدامي علي الرحيل الجماعي لكنهم سيرحلون، وستأتين من السفر ولن تجدي أحداً، ولن نجلس كما نجلس بين الارتياح والتوتر، نقيس ألفة الجدران، ونراقب عمال المقهي وهم يسدون الشبابيك بألواح ورقية وخشبية عملاقة حتي لا تؤذي كؤوسنا أنظار العابرين».
قراءة هذه الكلمات القليلة جداً تنقل حياة كاملة مقلقة تنطوي بدورها علي كم غير مسبوق من العنف الغامض والخوف والفقدان. لا يهتم محمد خير - وبالمناسبة الكاتب لم يبلغ الثلاثين بعد - بأن يكون مفهوماً بل دقيقاً، ولا يستغرق بل يلامس من بعيد ويتلمس ما يريد الكتابة عنه، وكلما مضي في الكتابة يكتشف ما يبحث عنه عبر الكتابة.
شعرت بالفرح والبهجة عندما لامست بدوري هذا الاستبعاد الذي لا يتردد محمد خير عن القيام به، ثم المزيد من الاستبعاد بشجاعة وتلقائية طفل عجوز، الحقيقة أنه يكتب شيئاً مختلفاً عبر اثنتين وعشرين لنقطة سريعة جدا لكنها ليست لاهثة أبدا في الوقت نفسه تتميز بقدر من الرصانة التي تتيح له التأمل لذلك فهي لا تستسهل الكتابة وترسم الملامح الخارجية علي السطح، بل تتجه إلي العمق مباشرة.
ستظل كتابة الأجيال الجديدة تمنحنا كل تلك الحيوية والتنوع والتجديد، وتمنحنا قبل كل شيء كتاباً مثل محمد خير الذي لم يكتف بما أنجزه في شعر العامية، بل ها هو يقدم تجربة ناضجة في القصة القصيرة

جريدة البديل في 23 فبراير2009

،،،،،

نسخة المقال من أرشيف جوجل

عفاريت محمد خير


حسين بن حمزة عن ديوان بارانويا

محمد خير: العاميّة المصريّة «قصيدة نثر» مشرّعة على التفاصيل


حسين بن حمزة

الأخبار اللبنانية في 22 فبراير 2008

 

«بارانويا» (دار ميريت ـــــ القاهرة) عنوان المجموعة الثانية للشاعر محمد خير. المجموعة مكتوبة بالعامية المصرية، لكنّ المتلقي لا ينجو من فكرة أنّه يقرأ قصيدة نثر مما اتُفق على تسميته «الشعر اليومي» أو «شعر التفاصيل».
الفرق أنّ الشاعر يفضّل كتابتها بالعامية. بحسب متطلبات قصيدة كهذه، تبطل العامية أن تكون عامية بالبداهة. مفرداتها مشغولة الآن بطريقة مختلفة ومعانيها مرئية من زاوية خاصة.
ما إن يتقبَّل القارئ هذه الفكرة حتى يتحوّل طموح الشاعر إلى شيء لا يشبه ما يُكتب عموماً بالعامية. العامية خزان العواطف والإنشاد والاستخدامات اللغوية المتداولة والشائعة.
ما يكتبه محمد خير أكثر حداثة من هذه السمات التقليدية. إنه يكتب بالعامية، لكنه يجرب أن يُعرِّض مفرداتها إلى اختبار معجمي
آخر.
الواقع أنّ هذا الإحساس الذي تشيعه قصائد المجموعة لا ينبع فقط من حداثة معجمها وتمرُّغه بمفردات الحياة المعاصرة، بل، أيضاً، من ميل الشاعر نفسه إلى شعرية النثر. النثر بتجلياته الأكثر نثرية. نثر الشارع والمقهى والمنزل والعزلة والأشياء الزائلة أو التي تبدو كذلك لكثرة ما هي هشّة وسريعة العطب. وهذا، على أي حال، من مكوّنات قصيدة التفاصيل، ومن خصوصيات النثر العادي الذي تُكتب به عادةً. إنّها قصيدة في امتداح ما هو تفصيلي ومهمل وعابر. وحين تكون اللهجة العامية هي «البلاسما» التي تضم هذه الممارسات والخيارات، يكون متوقعاً أن تفقد هذه اللهجة شيئاً من تقليديتها، وتكسب، في الوقت نفسه، قيمةً استعمالية
مضافة.
مع تقدمه في تصفّح المجموعة، يتلقى القارئ المزيد من الإشارات إلى سعي محمد خير لإنجاز قصيدة عامية تستثمر عوالم ومناخات ومعاجم قصيدة النثر اليومية.
ولا يحتاج القارئ إلى البحث طويلاً ليختار مثالاً على ذلك، فالمجموعة كلها تذهب في هذا المنحى. لنأخذ قصيدة «اللُّعَب» التي تكشف عن ابتكار تخييلي عن حياة الدمى واللُّعب. إنها أجيال متشابهة تخرج من المعامل لتعيش أكثر من البشر: «مش مجبرين / يردوا على أسئلة العيال/ وحتى لو كسرولهم إيد ولا رجل/ مش هيحسوا بحاجة/ هيفضلوا مرتاحين/ مسنودين ع الأرض/ ع الحيطة/ ع الكراسي البامبو/ ع الكنب الأسيوطي/ مش هتفرق/ مولودين كلهم في نفس اليوم/ ولو ما حصلش شيء خطير/ زلزال مثلاً/ أو نوبة غضب من اللي بتحرق البيوت/ فغالباً هيعيشوا أكتر مني ومنك».
الشعر هنا مصنوع بمكونات ومذاقات غير شائعة كثيراً. كما أنّ الحياد العاطفي في القصيدة والتفلسف الداخلي الذي كُتبت به يُطيل من تأثير هذا الشعر على المتلقي ويجعله أكثر عمقاً.
ثمة تقنيات وحساسيّات في طريقة تأليف الجملة وفي اصطياد الصور والأفكار. وثمة مهارة في فتح عوالم القصيدة وفي إقفالها بالصورة
المناسبة.
الذين اعتادوا على ما يتوقعونه من الشعر العامي قد لا يستسيغون الطعم الجديد الذي يقترحه عليهم شعر محمد خير. أما الذين ينتظرون المفاجآت فلا بد من أنّ مجموعة «بارانويا» ستكون هدية تُشبع فضولهم.